إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
shape
شرح أصول السنة لإمام أهل السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى 164-241 هـ
72757 مشاهدة print word pdf
line-top
قتال اللصوص والخوارج

38- وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله، فله أن يقاتل عن نفسه وماله، ويدفع عنها بكل ما يقدر، وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم، ولا يتَّبع آثارهم، ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة المسلمين، إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك، وينوي بجهده أن لا يقتل أحدًا، فإن مات على يديه فيدفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول، وإن قُتِل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوت له الشهادة، كما جاء في الأحاديث. وجميع الآثار في هذا إنما أمر بقتاله . ولم يؤمر بقتله ولا اتباعه، ولا يُجيز عليه إن صرع أو كان جريحًا. وإن أخذه أسيرًا فليس له أن يقتله، ولا يقيم عليه الحد، ولكن يرفع أمره إلى مَن ولاه الله فيحكم فيه.


اللصوص هم الذين يعتدون على الأموال، ومثلهم أيضًا المحاربون وقُطاع الطريق ونحوهم، وهؤلاء بلا شك -فيما يظهر- من المسلمين، فإذا شهروا سلاحهم فإنهم يقاتلون بما يندفعون به، وقد ذكر الله أنهم يرد أمرهم، إلى قوله -تعالى- إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا .
فإذا دخل اللصوص في بيت من البيوت لأخذ مال فإن صاحب البيت يدفعهم بالتي هي أحسن ، ولا يبدؤهم بالقتال رأسًا، إذا لم يبلغوا أن يقاتلوا بل إنما دخلوا مثلا لأخذ مال أو اختلاس أو نحو ذلك، ولكن إذا رأى منهم القوة ورأى منهم الجد قاتلهم.
وقد روي عن ابن عمر أنه دخل عليه مرة لص فأصلت السيف في وجهه ولولا أن أبناءه قبضوه لقتل ذلك اللص، وكأنه عرف منه أنه معتدٍ، وأنه جاء لأجل الفساد، أو أنه ليس من أهل العصمة.
ولكن حين وردت الأدلة بمنع القتل فإنهم يدفعون بالتي هي أحسن، وأنه إذا جرح أحد منهم فلا يجاز عليه، يعني لا يتمم قتله ولا يتبع مدبرهم المنهزم منهم، بل يُترك، فقد دل ذلك على أنهم لم يخرجوا من الإسلام.
فيهددهم ويخوفهم بعدما يذّكرهم، فإذا لم ينفع فيهم التذكير ولا التخويف ولا التهديد أظهر لهم أن عنده من القوة ما يدفعهم وما يردهم، فإذا لم يندفعوا استعمل القوة بأدنى مراتبها.
فإن كانوا يكتفون بضربهم بالعِصِيِّ اكتفى بذلك، ولم يستعمل السلاح، فإذا لم يُكَفُّوا استعمل السكين مثلا دون السيف، وإذا لم يُكَفُّوا استعمل السيف أو ما يُقتلون به أو ما يقاتل به في هذه الأزمنة كالرصاص ونحوه استعمل ذلك لدفع كيدهم ولدفع شرهم؛ وسواء كان اعتداؤهم لأجل قتله، أو لأجل ماله، أو لأجل محارمه، أو ما أشبه ذلك، كل هؤلاء من اللصوص المعتدين، يدفعون بما يندفع به شرهم، أو يرفع بأمرهم إلى من يأخذ على أيديهم.

line-bottom